الجمعة، 22 يناير 2010

جدتي اسماء

إني أرى في كل بيت من بيوت فلسطين مصنع للرجولة
إني أرى في كل بيت من بيوت فلسطين أسماء
إن الله اختص المرأة الفلسطينية من وجهة نظري بمميزات دونما سائر نساء الدنيا وهذه الميزات تجعل نساء فلسطين يمتلكن أدوات خاصة نستطيع أن نقول أنها الأدوات الكافية والأساسية لصناعة نهضة الأمم وحتى أؤيد كلامي بدليل واضح فإني سوف أستدل برمز من رموز هذه الأمة وصرح راسخ على جبين التاريخ ومنارة مشعة وصانعة متميزة من رواد صناع البشرية إنها السيدة الفاضلة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها فقد كانت السيدة أسماء مثال الفتاة الواعية المتزنة صاحبة النظرة الثاقبة والقوة الخفية والصلابة النادرة وكان لها فلسفة خاصة في إستراتجية حياتها تحولت إلى مدرسة تتلمذت فيها كل نسوة فلسطين وحق لكل واحدة منهن أن تلقب بأسماء ولعل الناظر نظرة تمعن إلى حياتها رضي الله عنها سيجد أن هناك تشابها عجيبا وربما تعدا ذلك إلى حدود التطابق في تفاصيل كثيرة من تفاصيل حياتها العظيمة
فالسيدة أسماء استلمت وهي في ريعان الشباب أمانة السر والمسؤولية المباشرة للإمدادات للمخبأ الأول ومقر العمليات للقائد الأعلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وما همها صعوبة تحمل هذه المسؤولية وما ترتب على ذلك من صعوبات تجلت في الخروج وسط الحر عندما كان الناس يهجعون إلى وسائدهم إشفاقا من الحر وما تبع ذلك من تعرضها للضرب والإهانة من رئيس حكومة الكفر آن ذاك وذلك حملا لها على الاعتراف بالسر الذي أصرت أن تذود عنه بكل حياتها وتتابعت أيام حياتها كلها لتشكل مجتمعة ملحمة نادرة ومعزوفة خالدة بين أنفس ملاحم التضحية والصبر ومعاونة الزوج وحسن الخدمة والسهر على تأمين مستلزمات البيت الروحية والنفسية والاجتماعية
ولم تمنعها هذه الأعباء الثقيلة من مشاركة زوجها في اشرف عمل يقوم به الإنسان ألا وهو القتال في سبيل الله عز وجل وإعلاء كلمة الحق ومع ذلك فقد كانت حريصة جدا أن تربي أبنائها على كل أنواع الفضائل وحرصت على تنشئتهم على مستوى رفيع جدا من الشجاعة والوعي والنضوج بالقدر الكافي الذي يمكنهم من اتخاذ القرار الصائب حتى في أصعب الأوقات ويكفي أن نذكر من كل ذلك موقفا لابنها عبد الله بن الزبير عندما هب مواجها للظلم مدافعا عن الحق ثائرا لدماء الأبرياء التي سفكت بغير ذنب وكان لها دور أساسي في تشجيعه والشد على يديه وتقوية عزمه بل وكانت المغذي والملهم والمثبت على طريق الحق والحجر الأساس في هذه الانتفاضة التي هبت في وجه لئيم من وجوه الطغيان آن ذاك
وكانت صادقة بحق فعندما تعرضت للبلاء وحانت الساعة لتقدم ابنها هدية في سبيل مبادئها السامية التي طالما عاشت من أجلها وتحتسبه شهيدا عند باريه عز وجل وجاء عبد الله يستشيرها بصلح عرضه أعدائه عليه مقابل صلح رخيص هو عبارة عن حفظ على حياة رخيصة محفوفة بالذل والهوان قالت له :إن كنت تقاتل في سبيل الله وإن كنت تعلم انك على الحق وطالما أنت مؤمن بسمو القضية التي تحارب من اجلها فلا تستسلم وأرشدته أن خير منازل الإنسان وأشرفها قدرا الشهادة في سبيل الله عز وجل وما العيش إلا عيش الآخرة ولما أخبرها أن ادعائه ربما يمثلون بجسده فأجابته بحزم أن الشاة عندما تموت فلا يهمهما السلخ وحتى هذه النازلة العظيمة لم تنجح في ثني عزيمتها عن قول الحق بصوت عال مدوي يهدم كل أبراج الظلم عندما اخبرها قاتل ابنها أن ابنها كان فاسقا وذلك ليقلل من قيمة تضحيته ويشوه صورته انتفضت بوجهه وقالت لا والله كان صواما قواما بارا بوالديه واخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج من هذا البلد كذاب و مبير فأما الكذاب فقد خرج وأما المبير فأظنه أنت
وظلت حتى آخر لحظة من عمرها تخط أروع سطور الإيمان والصبر والعزيمة والقوة التي لا يمكن أن تنبع إلا من صدق قوي وإيمان راسخ وقر في القلب
وها أنا وبالنيابة عن كل فتيات فلسطين أعلن أن النار لن تخبو بمشعل الحرية ولو كلفنا أغلى ما نملك وأعلن أن هناك في كل بيت من بيوت فلسطين أسماء واعية لواقع أمتها ومستعدة لتبذل الغالي والرخيص في سبيل قضيتها ولعل النصر آت وربما تصنع امرأة ما عجز عنه ألف رجل فألف ألف تحية لك يا رمزا مشرفا وصورة ناصعة البياض وخير قدوة ومثال من العصر الإسلامي الذهبي ألف ألف تحية لروحك الطاهرة
......................................................
خالده حطاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق